نساء جاهزات للعرض

جذبتني وصلة إخبارية لقناة «الجزيرة» تتحدث عن حارسات الحقيقة؛ صحفيات اشتغلن تحت القصف، وفي ظروف كانوا فيها ندا للند إلى جانب الرجل، كيف اخترن الصحافة مهنة لهن؟ وكيف يؤدينها في نظم عربية غير ديمقراطية؟ 

استمتعت مصغية لنساء بهِندام أنيق، جميلات، مثقفات، ماهرات، كلامهن حمل الكثير من المعاناة
والخوف؛ خوف من القصف، خوف على فلذات أكبادهن، وخوف على الذات في مجتمعات تحكمها عقليات ذكورية متجذرة.

في المغرب، على هامش نفس الاحتفالات احتفالات الثامن مارس، أثارني تصريح محامية من المحاميات التي قدر لها هذه الأيام أن تتحرك بين مواقع موالية للسلطة تمهيدا للظفر بكرسي من الكراسي، قالت في تصريحها: «… في دول أخرى راه إلا بغيتي تجيب النونو اللي كانقولولها مربية كاتعطيها واحد المبلغ اللي هو مابسيطش، وإلا بغيتي تجيب منظفة فالدول الأوروبية كاتحسب ليك الثمن ديالها بالساعة، وإلا بغيتي تجيب طباخة، أنت تعد من الطبقة الأرستقراطية، وخاصك تأدي لها واحد الأجر اللي ماشي بسيط..».

تصريح مريم جمال الإدريسي، وهي إحدى المحاميات اللائي انخرطن في حملة حامِية ضد الصحفي توفيق بوعشرين مؤسس صحيفة «أخبار اليوم»، الذي اعتقل بمقر صحيفته بالدار البيضاء في مساء بارد من يوم الجمعة 23 فبراير 2018، والذي أقبرت الدولة صوته، بتواطؤ مع محامين وصحفيين، في سجن عين برجة، قبل أن يتم ترحيله إلى سجن العرجات 2. تصريحها خلال لقاء نظمته مقاطعة سيدي بليوط للوقوف على اختلالات مدونة الأسرة على هامش احتفالات موْؤودة، كان شاردا ومثيرا في نفس الوقت، خاصة أن المحامية تحدثت عن النونو ومساعدات المنازل اللواتي مازالت النظرة الدونية للمجتمع تنظر إليهن كـ«خادمات للبيوت».

بدت المحامية التي تحاول المواقع المخزنية هذه الأيام النفخ فيها تهييئا ربما لمرحلة قادمة، (بَدَتْ) شاردة عن قصة زميلها وخادمته التي تعرضت لأبشع ما يمكن أن تتعرض له امرأة مستضعفة في هذا البلد الأمين، ولمن لا يعرفه، فقد ظهر على حصان طروادة في قضيتيْ الصحفي توفيق بوعشرين، ثم ملف حراك الريف حيث ترافع لصالح الدولة، وها هو اليوم يتنصَّب لفائدة مؤسساتها في ملفات أخرى.

هذا العام ليس كباقي الأعوام، فقد خَفَتَ وهج الشعارات التي ترفعها الدولة كل سنة للدفاع عن حقوق المرأة وكرامتها، ولم يظهر منها إلا النَزْرُ القليل هنا وهناك مع اتحاديات، وجمعيات تَغْرِفُ من مَاعون وزارة الداخلية، وحمامات حزب رئيس الحكومة، فلا مكان للاحتفال هذه السنة أمام فظاعة تقارير المنظمات الدولية وأمام الملفات التي لطخت وجه المغرب بالرماد، خاصة بعدما أصبحت المرأة سلعة رخيصة في يد جهات في الدولة لضرب خصومها ومنتقديها من حقوقيين وصحفيين مغضوب عليهم منذ سنة 2016 مع بداية انطلاق احتجاجات حراك الريف إلى الآن. 

في كل القضايا التي عرفها المشهد الحقوقي منذ هذا التاريخ، اعتمدت الدولة على ظاهرة جديدة قديمة، نَحَتْ حول تسليع المرأة، وتبنت أسلوبا واحدا في جميع القضايا يعرف بالتشييء الجنسي للمرأة The objectification of women‏، حيث يتم النظر إلى المرأة كشيء عبر استخدام جسدها في الترويج والتسويق وزيادة الإقبال.

هو تماما ما حدث في قضايا الصحفيين توفيق بوعشرين، وعمر الراضي، والنقيب محمد زيان، ومحمد باعسو القيادي في جماعة العدل والإحسان، والصحفي سليمان الرسوني وإن كان الوضع هنا يختلف شيئا ما فقد استقطبت الدولة هذه المرة، جنسا ثالثا ينتمي لـ«مجتمع الميم» أو لـ«قوم لوط»، وفق المفهوم الإسلامي.

تم استخدام المرأة كأداة عرض جنسية لبناء نفسيات الجماهير، وتوحيدهم حول فكرة واحدة عبر طرق تتأثر بها هذه الجماهير، وما هذه الطرق سوى الضرب في الأخلاق والأعراض وترويج صورة ذهنية غير محببة عن هؤلاء الصحفيين الذين صارت كلماتهم وآراؤهم تحدث طنينا لم تتقبله أذن المسؤولين. 

طبعا الدولة ستستعين هنا، لتحريك اللعبة بجمعية أطقلت عليها جمعية حقوق الضحايا، وبأفلام بورنو بعضها نشر في الموقع المتخصص في مثل هذه الأمور، والبعض الآخر تم عرضه في القاعة 8 بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء في رمضان قبل أربع سنين من الآن؛ أي في عام 2019، حيث كان بعض المسؤولين القضائيين يتصببون عرقا مما يشاهدونه من بورنوغرافيا، قال دفاع الصحفي توفيق بوعشرين إنها مفبركة وإن جثة الرجل الظاهرة هيئته، تعود لشخص آخر ولا علاقة له بصاحب الافتتاحيات.

رغم هذا الاستعمال الخبيث للمرأة لزيادة جاذبية التهم، وتقديمها كسلعة جنسية، على الرغم من ذلك فالأطروحة كانت بدون مفعول؛ سيما أن الجميع يعرف من يكون زيان محامي المظلومين والسياسي الذي لا يخاف لومة لائم من قول الحقيقة، كما أن الكل يخبر صاحب الافتتاحيات: توفيق بوعشرين، ومن يكون صاحب التحقيقات الاستقصائية الصحفي عمر الراضي، وجلنا إن لم يكن جميعنا قرأ افتتاحيات وحوارات الصحفي سليمان الريسوني.

في المغرب، ربما مازال البحث جار عن نظيرة مؤسسة ومنظرة الوجودية النسوية والنسوية المعاصرة «سيمون دي بوفوار» صاحبة كتب «المدعوة» و«المثقفون» و«الجنس الآخر»، ولو رأت هذه المفكرة الفرنسية ما جرى وما يجري في بلدنا من تسليع للمرأة وركوب على مطالبها لوَقَفَتْ مَذْعُورَة، فَاغِرَةَ الفَمِ، مدهوشة من شدة ما ترى وتسمع.

طبعا ستفعل ذلك حتما لأن ما وقع وما ظهر في هذه الملفات وما خفي منها، قضى على ما تبقى من المكتسبات الحقوقية في هذا الباب، خاصة أن وزير الداخلية هو هو لم يتغير منذ حراك الريف إلى الآن، والمدير العام للأمن الوطني هو هو لم يتزحزح من مكانه قيد أنملة، ومدير موقع «بيرجي. كوم» الموظف السابق في وزارة الداخلية باقٍ، وصاحب «براز الأحد» مازال كما هو لا شغل شاغل غير التشهير والضرب في الأعراض.

ما فتئ صاحب الموقع الذي نترفع عن ذكر اسمه، ينثر بُرازه هنا وهناك عله يصيب أحدا، تحدث كثيرا عن جريدة الحياة اليومية ووصفها للمرة الثانية على التوالي بالموقع الميت، والحال أن يطرح سؤال بسيطا على نفسه إذا كان موقعنا ميتا فلما تثور ثائرتك وثائرة المطبلين والمزمرين؟

ستكون الحياة اليومية جريدة ميتة حقيقة إذا اتبعت تفاهة «البوز» وما ينفته موقعكم من سموم في المجتمع لمحاولة تنويمه أطول فترة ممكنة بمواد لا تليق أن تكون إعلامية أكثر مما هي شبيهة بروتيني اليومي.

في الحياة اليومية حريصون أشد الحرص أن نبقى ملتزمين بخط تحريري صادق يمثلنا، خاصة أننا لا نتخبط في سكيزوفرينيا الانبطاح والمعارضة، كما لا نعبر عن أفكارنا الحقيقية في المراحيض أعزكم الله، فما نفكر فيه نقوله صراحة ونكتبه.

كان أولى على صاحب «براز الأحد» أن يظهر باسمه وصورته كما ظهر بهما خطأ الأسبوع الفارط، حتى يعرف الجميع من وراء ما يتعرض له صحفيون ومدونون وحقوقيون وسياسيون من تشهير وسب وقذف، وحتى يتحمل مسؤوليته الكاملة أمام الله وأمام القانون وأمام العالم، سيرا على المثل القائل: «اللي كاتشطح مكاتخبيش وجهها».

صاحب «براز الأحد» انضم هو الآخر إلى جوقة العَمْيين بحثا في الكيفية التي تتحصل بها جريدة الحياة اليومية على تصريحات وزير حقوق الإنسان السابق المعتقل تعسفيا بسجن العرجات 1، وبما أنها واحدة بواحدة فدعونا نوفر عليه عناء البحث وتعبه، ونجيب بأننا نتحفظ على مصادرنا المشمولة بالسرية، نفس السرية التي اختبأ وراءها عندما طالبته الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، بفضح مصدر فيديوه المعلوم، فهل هو حلال عليكم حرام علينا؟

صاحب هذا «البراز» طالب زيان وبوعشرين وعمر الراضي بالاعتذار لنساء كن جاهزات للعرض، والحال أن هؤلاء من ينتظرون اعتذارا يليق بمقامهم.

لمن سيعتذر زيان، هل لسيدة تلذذت بفرج خادمتها القادمة من مدينة الناظور، بحثا عن لقمة عيش كريمة لأبنائها، دون أن تأخذ حقها؟

ولمن سيعتذر بوعشرين؟ فجل النِسوة اللاتي تم استقطابهن لقضيته كن من صفوة المجتمع صحفيات لهن وضعن الاعتباري، وأخرى مالكة شركة للإنتاج، وواحدة تشغل منصب مستشارة جماعية، وقبلها مستشارة في ديوان وزيرة بحزب رئيس الحكومة الحالي، وأخرى تقوم بالديبلوماسية الناعمة في بلجيكا، ولَكُمْ أن تتخيلوا نوع الهشاسة التي تعانيها مثل هذه السيدة، كما لَكُمْ أن تتخيلوا أي نوع من الهشاشة تعانيها أخرى تقضي عطلها في جزر المالديف وشواطئ البرازيل؟ 

 لَكُم أن تتخيلوا أيضا، نوع الهشاشة التي تعانيها إحداهن وهي تحضر بعض جلسات محاكمة ضحيتها توفيق بوعشرين، بحذاء باريسي فخم من الماركة العالمية «LOUBOUTIN»، سعره بدون احتساب الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة هو بالضبط: €1095 أورو، ما يساوي 14 ألفا و257 درهم (257 14 درهم)، وهو ما يوازي نصف أجرة قاضٍ خارج الرتبة بعد ثلاثين سنة من الكد والجد. هذا، بغض النظر عن الشقة الفخمة التي كانت تعيش فيها بقلب العاصمة الاقتصادية.

عدا المعاملة الاستثنائية والخاصة التي كن يتمتعن بها من طرف الأمن بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حيث يركن سياراتهن في المرآب الخاص بالقضاة، والذي لم يجْرأ عليه حتى المحامون في ذلك الوقت، هذا طبعا سيطرح لديكم السؤال حول من يكون الضحية هنا، ومن يكون الجلاد؟

أمام هذا الرخاء، مارست الشرطة في الجانب الآخر، ضغوطا شديدة على ثلاث صحفيات أخريات على رأسهن الناشطة الحقوقية عفاف برناني، للإدلاء بشهادتهن ضد بوعشرين، رغم أنهن لم يتهمنه بأي شيء وأبلغن القضاة والصحافة برفضهن أية علاقة بمحاكمته بأية صفة من الصفات. اعتُقِلت النساء الثلاث وجُلِبْن إلى المحكمة بالقوة، وأُدِينت عفاف بتهمة تضليل العدالة والتزوير والقذف وحكم عليها بالسجن النافذ لمدة ستة أشهر، الأمر الذي اضطرها إلى الهرب خارج المغرب بعدما أجمع أهل الحل والعقد على اعتقالها، للنفاذ بجلدها من آلة لئيمة لا ترحم. 

كل هذه التفاصيل وغيرها لخصها «دليل أدوات قمع المعارضة في المغرب» الذي أصدرته منظمة «هيومن رايتس ووتش» وأطلقت عليه: «فيك فيك». دليل يتضمن قواعد اللعبة التي تلعبها السلطات لإسكات منتقديها بتكتيكات متعددة ومتنوعة وشرسة، يدخل ضمنها: استعمال الجنس، والمراقبة السرية بالفيديو في منازل الأشخاص، والاعتداءات الجسدية على المستهدفين، وأعمال الترهيب ضدهم أو ضد أقاربهم، وإطلاق حملات تشهير بغيضة، لا أخلاقية وغير قانونية في المواقع الموالية لها.

بالإضافة إلى «عيوننا على التغيير»، كان قرار البرلمان الأوروبي حول تدهور حرية الصحافة والرأي بالمغرب مُخْزِيا، خاصة أنه ذكر من بين ما ذكر في توصيته الثانية بأنه «يدين، وبشدة، الاستعمال التعسفي لتهم الاعتداءات الجنسية الرامية إلى عرقلة عمل الصحفيين والحد منه»، معتبرا بأن «هذا الاستعمال التعسفي يشكل خطرا واعتداء صارخا على حقوق المرأة نفسها».

هذا القرار طبعا الذي سيثير حفيظة المتورطين في كل هذه المجازر الحقوقية، والذين مازالوا يرفضون سماع الأصوات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين أو تلك التي تندد بتصاعد حملات الاعتقال. جعل الدولة التي هرولت للاستعانة بالنساء والمثليين في السابق، تستعين هذه المرة بخدمات عمر السغروشني، رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، الاتحادي السابق، الذي له قصة فريدة داخل الاتحاد؛ فالسغروشني هذا قيل إنه سبق وسلم بمدينة ليل الفرنسية في سنة 2000 رسالة الفقيه البصري، للصحفي أبو بكر الجامعي الذي كان يدير آنذاك، أسبوعية «لوجورنال» قصد نشرها، وهو ما تم فعلا.

رسالة تعود لسنة 1974 أي سنتين فقط وراء انقلاب الصخيرات الذي قاده الجنرال أوفقير وزير داخلية ودفاع المغرب آنذاك في سنة 1972، كشف فيها الفقيه البصري لقيادات الحزب وقتها: عبد الرحيم بوعبيد، وعبد الرحمن اليوسفي، ومسؤولون آخرون، الاتفاق الذي دار بينهم وبين الجنرال أوفقير، للقيام بالانقلاب العسكري ضد الملك الراحل الحسن الثاني. وللتذكير هنا، فالجنرال أوفقير هو نفسه الذي تورط في قتل المهدي بن بركة الذي يعتبره الاتحاديون أبا روحيا.

الحديث مسهب وطويل لكن سأنتهي عند زمرة من الاتحاديين الذين تحولوا من الانقلاب على الحكم إلى الحكم، يقودون مؤسسات البلاد نحو المجهول، ولمعرفة فعلا ما آلت إليه الأوضاع، وحتى يأخذوا فكرة عن نوع القضايا التي أولى أن يتسابقوا عليها، بعيدا عن التهافت حول اصطياد الصحفيين والمدونين والنشطاء الحقوقيين، ما عليهم سوى الضغط بكبسة زر على محرك البحث غوغل والاطلاع على مقطع مصور تداوله مغاربة وصل صيته للإعلام الدولي، ساعات قبل الاحتفال بالثامن مارس، وساعات قبل أن تلبس نسوتهم تنانيرهن القصيرة وكعبهن العالي، للترافع في قضايا المرأة.

شريط الفيديو هذا، يوثق لعملية ولادة سيدة داخل حديقة مستشفى بمدينة اليوسفية، بعدما تم رفض استقبالها بداعي أن موعد ولادتها لم يحن بعد. وعكس ما قالته إدارة المستشفى، فالمخاض أدرك السيدة الحامل على حين غرة، وقد اضطرت لوضع مولودها في تلك الحديقة كقطة، مع حفظ المقامات هنا.

هذا هو بالضبط وضع المرأة في البلد بدون «ماكياج»، والتي يكفي بدل كل هاته الهِيطَة والزِيطَة أن توفر لها الدولة الشغل والصحة والسكن والتعليم اللازمين، لتتمكن من الدفاع عن حقوقها تلقائيا، بدون تبعية وبدون سلعنة أو استغلال بشع لها للإيقاع بضحايا حقيقيين هم صناع الكلمة والرأي في هذا الوطن.

أضف تعليق

الوسوم

لبنى الفلاح

«الحياة اليومية» جريدة إلكترونية إخبارية سياسية تقوم على التحليل والرأي ونقل الحقيقة كما هي. تقدم خطابا إعلاميا ينبذ العنصرية والابتذال، ويلتزم بوصلة وحيدة تشير إلى تحرير الإنسان في إطار يجمعنا إلى الوطن كله ولا يعزلنا.

مقالات ذات صلة

x
إغلاق