بقلم: عزيزة ابن وازي
في كل عام، تحل ذكرى الثامن من مارس، فتُرفع الشعارات، وتُوزع الورود، ويُلقى الضوء على قضايا المرأة. لكن، وسط كل هذا، هل ما زلنا نتذكر أصل الذكرى؟ هل ما زلنا أوفياء لدماء الشهيدات وكفاح المناضلات اللواتي خطّين هذا اليوم بعرقهن ودمائهن؟
إن الثامن من مارس لم يكن يومًا للاحتفال السطحي، بل هو تتويج لنضالات مريرة خاضتها النساء في مختلف بقاع العالم ضد القهر والاستغلال. فمنذ القرن الماضي، لم تتوقف النساء عن المطالبة بحقوقهن، ولم يتوقف القمع عن محاولة إخماد صوتهن. نذكر تظاهرات النساء العاملات في كاليفورنيا واحتجاجهن على التمييز في العمل، وإضراب عاملات النسيج في نيويورك اللواتي تحدين القمع بصدور عارية، والمظاهرات الحاشدة في شوارع باريس حيث علت أصوات مئة ألف امرأة ضد الفقر والتهميش.
ولا ننسى المرأة الفلسطينية، رمز الصمود والمقاومة، التي وقفت في وجه الاستعمار والصهيونية، تقاوم الاحتلال وتدافع عن أرضها وحريتها، فتُعتقل وتُستشهد لكنها لا تنكسر.
لكن نضال النساء لا يقتصر على مقاومة الاستعمار، بل يمتد إلى مقاومة السياسات النيوليبرالية التي تكرّس التفاوتات الطبقية وتزيد من هشاشة أوضاع النساء، خاصة العاملات منهن. فاليوم، تواجه النساء العاملات استغلالًا بشعًا تحت هيمنة الرأسمال المحلي والأجنبي، إذ تصل بطالة النساء في المغرب إلى مستويات قياسية، حيث بلغ معدلها 19.4% عام 2024، فيما تعاني أربع شابات من كل عشرة في الفئة العمرية 15-24 سنة من الإقصاء التام من سوق العمل والتعليم والتدريب. كما أن النساء في المناطق القروية هن الأكثر عرضة لهذا التهميش، ما يجعلهن أكثر عرضة للاستغلال والعنف الاقتصادي والاجتماعي.
في المغرب، كان للمرأة دور محوري في مختلف مراحل النضال الوطني والاجتماعي. فقد قاومت الاستعمار وشاركت في الحركات التحررية، كما كانت في طليعة النضالات العمالية والطلابية. ومع تصاعد الحراك الاجتماعي، انخرطت النساء في صفوف الحركات الاحتجاجية، مطالبات بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومناهضات للعنف والتمييز. غير أن السياسات النيوليبرالية التي انتهجها النظام زادت من هشاشة أوضاع النساء، حيث تفاقم الفقر والتهميش، وتعمق الاستغلال في المعامل والضيعات الفلاحية وقطاع الخدمات، مما جعل المرأة العاملة تواجه ظروفًا مأساوية دون حماية اجتماعية كافية.
ولأن الحقوق لا تُمنح بل تُنتزع، لعبت المناضلة الاشتراكية كلارا زيتكن دورًا محوريًا في جعل هذا اليوم عالميًا. ففي مؤتمر الأممية الثانية للنساء الاشتراكيات عام 1910، اقترحت أن يكون الثامن من مارس يومًا لنضال المرأة، تخليدًا لمسيرة طويلة من الكفاح ضد الاضطهاد الطبقي والجنسي. ولم يكن هذا النضال منفصلًا عن الصراع الطبقي، بل كان جزءًا منه، حيث ظلت المرأة تعاني من اضطهاد مزدوج: اضطهاد النظام الرأسمالي واستغلاله، واضطهاد البُنى الاجتماعية الذكورية.
وكما قالت المناضلة روزا لوكسمبورغ: “من لا يتحرك، لا يشعر بسلاسلِه”.
اليوم، ونحن نستحضر هذه الذكرى، يجب أن ندرك أن الطريق ما زال طويلًا، وأن النضال لا يزال ضرورة، ليس فقط من أجل المساواة الشكلية، بل من أجل تغيير جذري يُنهي الاستغلال ويضمن كرامة المرأة في كل مكان. فالمرأة لا تريد الورود، بل تريد حقوقها كاملة، غير منقوصة، لتعيش بكرامة وحرية.
وكل ثامن من مارس والنساء مستمرات في نضالهن من أجل التحرر والتحرير.