من الطبيعي أن يتقدم النقيب ووزير حقوق الإنسان السابق، محمد زيان، بطعن بالنقض ضد قرار محكمة الاستئناف بالرباط القاضي بإدانته بثلاث سنوات حبسًا نافذًا في القضية المتابع على خلفيتها والتي تتعلق بدعم الأحزاب السياسية. وهذا حق يكفله القانون، كما يعلم الجميع، لكل مواطن مغربي يرى أنه تعرض للظلم، سواء لوجود عيب في المحاكمة أو في مساطر المتابعة.
وما يزكي هذه الخطوة، التي اعتبرها دِفاعه خطوة سليمة ما دام عكسها يعتبر إقرارًا بالجريمة المنسوبة للنقيب زيان، هو أن من تتبع أطوار هذه القضية بدءًا من البحث والتحقيق والمحاكمة بدرجتيها وبعد صدور الحكم، يعلم أن النقيب ظل ينفي ارتكابه للأفعال المضمنة في الحكم الصادر ضده. بل إنه، خلال الجلسة الأخيرة من مرحلة الاستئناف، وأثناء منحه الكلمة الأخيرة قبل النطق بالحكم، دافع باستماتة وقدم حججًا دامغة ودالة على براءته، وأكد على أنه لم يختلس ولم يسرق ولم يضع سنتًا واحدًا في جيبه من المال العام، ناهيك عن تسجيله لخروقات وعيوب قانونية شابت محاكمته بدءًا من صفة المشتكي مرورًا بمحاضر البحث وبطلان الاستدعاء ووصولًا إلى تكييف المتابعة على أساس اعتباره موظفًا عموميًا.
لكن المثير في القضية هو إصرار النيابة العامة على التصريح بالنقض في ملف كانت قد التمست في مرافعتها في الجلسة الأخيرة من المحاكمة رفع العقوبة ضد النقيب زيان المدان ابتدائيًا بخمس سنوات حبسًا، قبل أن تقرر هيئة الحكم تخفيضها إلى ثلاث سنوات. إن توجه النيابة العامة للنقض يفهم منه أنها لم تقتنع بالحكم الصادر استئنافيًا ضد النقيب زيان، وأنها ترى بأنه يستحق عقوبة أشد، أي مزيدًا من السنوات داخل السجن لشيخ. وهو توجه على كل حال لا يعكس مراد غالبية المجتمع المغربي الذين كانوا ولا زالوا يمنون النفس بحصول النقيب زيان على البراءة وإطلاق سراحه، وهو التوجه الذي يفترض أن تتبناه النيابة العامة استنادا إلى الجو العام.
إن خطوة النيابة العامة تطرح أكثر من سؤال حول ما إذا كانت الإرادة هي إبقاء النقيب في السجن، خاصة إذا علمنا أنه بالرجوع إلى نصوص وفصول المتابعة نجد أن العقوبة تصل إلى 20 سنة، فهل هذا ما تطمح إليه النيابة العامة؟. هذا، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع بأن قضية النقيب، بالإضافة إلى أسسها السياسية والتي اعتبرها منظمات حقوقية وطنية ودولية بأنها ذات خلفية سياسية إن لم نقل شيء آخر، انتقلت من ما هو قانوني(تقني محض) إلى قضية ذات بعد إنساني، حيث ما فتئ المغاربة يطالبون وينادون بإطلاق سراحه نظرًا لسنه الذي تجاوز 83 عامًا ناهيك عن معاناته من أمراض مزمنة بالإضافة إلى أمراض الشيخوخة.
فهل يمكن أن نتخيل مشهد خروج النقيب زيان، أطال الله عمره، من السجن وقد تجاوز عمره 103 سنوات؟