بقلم: يوسف المالكي
في عالم الصحافة المغربية، حيث تتلاشى المبادئ أحياناً خلف ضجيج المصالح، ظل الراحل خالد الجامعي (1944-2021) صامداً كشاهد على زمنٍ مضى. لم يكن مجرد صحفي، بل كان ظاهرة فريدة، جمعت بين سلاسة القلم وشراسة المواقف، بين الضحك العالي والنظر الثاقب إلى الظلم.
وُلد الجامعي في الدار البيضاء عام 1944، العام نفسه الذي شهد توقيع “وثيقة الاستقلال”، التي كان والده أحد موقعيها. ربما ورث عن أبيه روح المقاومة الهادئة، لكنه حوّلها إلى سلاحٍ إعلامي. بدأ مسيرته في جريدة “لوبينيون”، لسان حال حزب الاستقلال الناطق بالفرنسية، والتي تحوّلت تحت قيادته إلى منبرٍ للنخبة، رغم القيود الحزبية والرقابة المخزنية التي لم تمنعه من “اللعب بالنار”.
في 1973، دفع الجامعي ثمناً باهظاً لجرأته: اعتقلته السلطة دون محاكمة، وتعرض للتعذيب لمدة ستة أشهر. التهمة؟ نشر صورة لامرأة أجنبية تحمل طفلاً يُشتبه أنه أحد أبناء الحسن الثاني.
لاحقاً، انتقل إلى الصحافة المستقلة، حيث حوّل عموده في “لوجورنال” لمالكها الصحفي المحترم أبوبكر الجامعي (إبنه البكر) إلى منصة لإنتقاذ سياسة وزير الداخلية الراحل إدريس البصري. ذلك المشهد الذي هدد فيه البصري الجامعي بـ”شكون نتا؟” بقي محفوراً في ذاكرة من عاصروا تلك الحقبة.
المفارقة في شخصية الجامعي كانت قدرته على تجاوز الخلافات الشخصية دون التخلي عن مبادئه. كان ينتقدك اليوم ويصافحك غداً، لكنه لم يهادن السلطة حين يتعلق الأمر بالحقوق. ظلّ يؤمن بإصلاح النظام من الداخل، رغم سخرية البعض من “تفاؤله المفرط”.
لم يتحول إلى تاجر أخبار، ولم يركع للفساد المالي أو الفكري. في زحام الصحافة المغربية، بقي الجامعي استثناءً صعب التكرار: صحفيّاً شجاعاً، متواضعاً، وغير قابل للشراء.
حتى مع اقتراب ساعة الرحيل، ظل الجامعي ذلك المتفائل العنيد. ربما لم يحقق كل ما حلم به، لكنه ترك إرثاً يُختصر في كلماته الأخيرة: “عيت وخاب أملي، ولكن مأمن بمستقبل أفضل”.
اليوم، بينما تغرق الساحة الإعلامية في ضجيج التطبيل والتشويه، يغيب صوتٌ كان يمثل ضميراً حياً. صوت خالد الجامعي.