بقلم: فاروق المهدوي
منذ مدة وأنا احاول استجماع المعطيات والمعلومات حول عمليات الهدم التي تطال الواجهة البحرية لحي المحيط، وخصوصا المنازل والعمارات المتواجدة بين زنقة نابولي وشارع مصطفى السايح، في ظل تكتم السلطات العمومية عن المعلومة واستبعاد الأجهزة المنتخبة عن دورها في التقرير.
طرحت سؤلا استنكاريا في العنوان لعل الاجابة في المقال تكون مختلفة، فما سأقوم به اليوم هو سرد لمعطيات وأقاويل بناء على ما يتم الترويج له من طرف السلطات العمومية وأزلامها وللقراء كامل الحق في دبج الإجابة.
بدأت عمليات الهدم والهجوم على مساكن المواطنين منذ نهاية دجنبر من السنة الماضية في خطوة غير معلنة سلفا وغير مقرر في تصميم التهيئة الذي صودق عليه في مجلس مدينة والرباط، وقبل اعتماده ونشره في الجريدة الرسمية. (تم نشر تصميم تهيئة مدينة الرباط في 20 فبراير 2025 بالجريدة الرسمية).
كيف يتم التواصل مع أصحاب العقارات؟
تستغل السلطة المحلية موقعها السياسي والاداري للضغط على الملاك لبيع عقاراتهم مقابل مبلغ مالي قدره 13.000،00 درهم للمتر مربع بالنسبة للعقارات المحفظة، ومبلع 10.000،00 درهم بالنسبة للعقارات الغير محفظة، دون أن يكون المبلغ قابل للتفاوض، مع العلم أن تقدير المتر المربع في هذه المنطقة يفوق 30.000،00 درهم للمتر، ودون أن تكشف السلطة المحلية عن هوية المشتري.
يستعمل السيد باشا منطقة حسان حسب مجموعة من الشهادات أسلوب التهديد تارة (لي ما هدمش غادي نهدمو ليه ويمشي يدعي الدولة) وتارة أسلوب “المزاوكة” من قبيل أن الدولة مقبلة على العديد من المحطات العالمية ويجب على المواطنين المساهمة في جمالية مدينة الرباط، والله يرحم الوالدين عاونونا، والدولة باغيا غي مصلحتكم… ناهيك عن استعمال أدوات خسيسة من طرف السلطة المحلية من قبيل الضغط الممارس من لدن أعوان السلطة وحاشيتهم على الساكنة لتسليم عقاراتهم.
طيلة هذه المدة لم يتم تقديم أي وثيقة من طرف السيد الباشا ولا كل المعنين عن هذا الهدم ولا أسبابه، بل الأكثر من ذلك يطلب من أصحاب العقارات التوجه لدى أملاك الدولة للتوقيع على وثيقة مجهولة، ثم التوجه لدى موثق تحدده السلطة للتوقيع على عقد البيع دون أن يتسلم صحاب العقار أي وثيقة من كل هذا.
حالات اجتماعية
في ظل عمليات الهدم المتواصلة، لم تراعي السلطات العمومية بمدينة الرباط الوضع الاجتماعي لبعض ملاك العقارات، ولم تراعي المقاربة الاجتماعية التي تدعي اعتمادها في حل مثل هاته الملفات، وأسجل ما يلي:
– تتم عمليات الهدم والترحيل واخلاء السكان في ظرف قياسي يصعب من عملية ايجاد مسكن لائق اخر؛
– تتم عمليات الهدم والترحيل واخلاء السكان وسط الموسم الدراسي، مما يجعل أبناء الحي خصوصا التلاميذ منهم في حالة شرود؛
– تتم عمليات الهدم والترحيل واخلاء السكان في شهر رمضان المبارك دون مراعاة أجواء هذه الشعيرة الدينية ومكانتها لدى عامة الشعب المغربي؛
– تتم عمليات الهدم والترحيل واخلاء السكان دون مراعاة الوضع الصحي لكبار السن العجزة ممن لا يتوفرون على مأوى غير الذي يقطنون به؛
– أثناء مباشرة عمليات الهدم والترحيل واخلاء السكان سجلت حالتي وفاة بسبب الصدمة على حد تصريحات الساكنة، بالإضافة إلى حالة الاضطراب الاجتماعي التي بات يعيشه أغلاب ساكنة الحي؛
في ظل كل ما سبق، ولا تزال السلطات العمومية بالرباط بكل عنجهية وتسلط تمارس التعذيب الممنهج على الساكنة أمام صمت الجميع.
“الكراية”…حقوق تهضم في العلن
بعيدا عن الملاكين للعقارات، هناك فئة تهضم حقوقها علنا دون أي تدخل من أي طرف كان، وهي الفئة العريضة التي تكتري محلات معدة للسكن أو محلات مهنية أو تجارية، أو التي تستغل محلا من خلال شراء “الساروت” والتي سيتم افراغها من هذه المحالات دون سند قانوني.
العديد من السكان تم الضغط عليهم من طرف السيد باشا مقاطعة حسان وتم افراعهم من محلاتهم السكنية على وجه خاص بالرغم من أنهم يكترونها لسنوات طويلة (احدى الحالات أزيد من 50 سنة وهناك حالات كثيرة مشابهة)، دون أي تعويض، فالسيد الباشا يسهر إلى جانب أعوانه على افراغ المحلات دون توفره على أحكام قضائية، ويخدم بذلك الملاك العقاريين ويخدم مصالح الملاك الجدد لهذه الاراضي.
لحدود اللحظة، وعلى حد علمي لا توجد أي طرق للتفاوض أو حلول مقترحة تهم هذه الفئة، خصوصا من يكتري محلا تجاريا أو يمتلك اصلا تجاريا.
ماذا يقع بالضبط؟
إننا اليوم أمام حالة شاذة في تعاطي الدولة مع ملك الأغيار، فلا نحن أمام مسطرة نزع الملكية، التي تقتضي نشر المقرر المعلن للمنفعة العامة ونشر مقرر التخلي والذي يحدد العقارات بدقة، وما يقتضي بعد ذلك من تحديد لثمن العقار من طرف اللجنة الادارية للتقييم وما يليها من مساطر إدارية وقضائية.
كما أننا لسنا أمام مسطرة الاتفاق على تفويت العقار بالتراضي، والذي يخضع في شكليات تفويته لمسطرة خاصة نظمها المشرع في الفصل 42 من القانون 7.81.
وحتى وإن ارتأت الدولة ممارسة العنف باعتباره أحد أشكال التعبير عن السلطة والقيام بإعتاد مادي على العقارات، فإن ما قامت به في حي المحيط لا يعد من هذا الباب، على اعتبار أن السلطة المحلية باشرت اجراءات البيع بطرق احتيالية.
هذا ما يمكن إجماله في عبارة واحدة وهو أن ما قامت به السلطات المحلية بمدينة الرباط تم في غياب كلي لما أورده المشرع من مساطر وشكليات منصوص عليها في القانون 7.81، وحتى لو افترضنا جدلا أن الدولة أرادت سلك مسطرة اقتناء هذه العقارات لفائدتها دون الحاجة الى سلك مسطرة نزع الملكية فإنها قد ضربت القواعد العامة المبنية على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين، بفرضها شروط معينة من بينها تحديد الثمن دون الاتفاق عليه وفرض تاريخ الهدم والتستر على المشتري الحقيقي، الشيء الذي يشكل إذعانا في حق الملاك العقارين بحي المحيط.
كل المعطيات المنتشرة في الساحة تقول شيء واحدا، وهو أن السلطات العمومية في مدينة الرباط، ومن خلال رؤيتها غير متبصرة كما العادة، تسعى إلى إفراغ ساكنة حي المحيط من محلاتها وسكناها، لفسح المجال أمام شركات خاصة من دول الخليج (قطر والإمارات على وجه خاص) للاستثمار في مجال العقار والفنادق المصنفة، بل الأكثر من ذلك هناك من يتحدث على أن صفقة بين هذا العقار تمت في إحدى الزيارات التي قام بها رجلان من كبار المقربين من دوائر القرار السياسي لبلادنا لدولة الامارات وسط السنة الماضية، وتم بيع هذه العقارات بثمن 60.000،00 درهم للمتر الواحد. (العهدة على الراوي).
نحن اليوم أمام عملية غير مسبوقة في تاريخ وطننا، عملية وساطة كبرى لفائدة جهات أجنبية، عملية لا يمكن وصفها إلا بمصطلح “القوادة العقارية” حيث تهضم حقوق المواطنون لإرضاء خواطر المستثمرين الأجانب، حيث تطبق رؤية غير موضوعية لخدمة 60 يوما نصفها الاول في سنة 2025 ونصفها الثاني في 2030، فخلاصة القول ستنظم بلادنا التظاهرات الدولية على حساب جيوبنا وحقوقنا وصحتنا ومستقبل الأجيال المقبلة.
ملحوظة: سابقا دوار العسكر… ستنتهي مرحلة القضاء على ساكنة حي المحيط، والدور المقبل سيكون على ساكنة يعقوب المنصور والتقدم، صمتنا جميعا سيسهل على السلطات عملية القضاء علينا جميعا.
فاروق المهدوي:مستشار جماعي بجماعة الرباط عن فيدرالية_اليسار_الديمقراطي