✍️حسن بناجح:
تعيش الأمة لحظة تحول جذري في تاريخها الحديث، لحظة كأنها تعيد رسم الخرائط وتوزيع الأدوار وتفكيك التحالفات، على وقع صمود غــــزة، وضربات المقــــاومة، وخيبة الهيمنة الغربية.
معركة طــــوفان الأقــــصى ليست معركة عابرة، بل هي نقطة ارتكاز لميلاد إسلامي جديد، تُراجع فيه القوى المستكبرة حضورها ومكانتها،
وتهتز فيه “إســــرائيل” أمنيا وعسكريا واقتصاديا،
وتعيد فيه الشعوب تعريف علاقتها بالأنظمة والخيارات السياسية،
وتصاغ فيه تحالفات ميدانية لم تكن واردة من قبل.
هذه المتغيرات تضع المنطقة أمام مفترق طرق حقيقي بين ثلاثة سيناريوهات:
1◽ السيناريو الأول: الانفجار الشامل
تصعيد الحرب في غــــزة مع تدخلات إقليمية أوسع –من اليمن ولبنان والعراق وإيران– قد يفضي إلى حرب إقليمية شاملة، خاصة مع تزايد التورط الأمريكي المباشر.
وهذا السيناريو، رغم مخاطره، يكشف عن تصدع الجبهة الصهــــيونية، وانكشاف الغطاء الأمريكي.
2◽ السيناريو الثاني: التحول نحو التسوية القسرية
تحاول قوى دولية، بقيادة واشنطن، فرض حل على حساب المقــــاومة، وتهدئة شكلية تفرض “سلاما اقتصاديا” وتعيد ترتيب المنطقة لصالح التطــــبيع والانفتاح مع الكيان، مع تطويق إيران وقوى المقــــاومة.
لكن هذا السيناريو يواجه رفضا شعبيا متزايدا، وإرادة مقــــاومة لا تُشترى.
3◽ السيناريو الثالث: نهوض شعبي متكامل
ما رأيناه من موجات احتجاج، ومن يقظة ضمير، ومن دعم شعبي واسع للمقــــاومة، سيشكل بإذن الله قاعدة لمرحلة نهوض جديدة، تعيد للأمة وعيها، وتدفع باتجاه خيار تحرري شامل.
وهذا هو الرهان الأهم، لأنه يمنح الشعوب زمام المبادرة، ويوحدها حول فلســــطين، لا كقضية، بل كمشروع تحرر شامل.
وهذا ليس أماني جانحة، وإنما هو ينطلق أولا من ثقتنا في تمكين الله عز وجل للأمة، ثم هو مبني على معطيات الأرض التي يمكن إجمالها فيما يلي:
✓ الكيان الصهــــيوني يتآكل من الداخل، سياسيا وأمنيا واجتماعيا، وقد عجز عن حسم معركة غزة رغم المجازر.
✓ الهيمنة الأمريكية تتراجع، بفعل إخفاقها في فرض إرادتها، وفقدان حلفائها للثقة.
✓ المحاور التقليدية تتغير، والمقــــاومة باتت فاعلا إقليميا قويا حضورا وهيبة.
وهذا ما يملي على كل الأمة ومكوناتها أن تتجه إلى ما يلي:
1- التحرر من الهيمنة الأجنبية والوصاية السياسية؛
2- دعم حركات المقــــاومة وتوسيع حواضنها الشعبية؛
3 – بناء مشروع متكامل يربط بين تحرير فلســــطين والتحرر الداخلي؛
4 – توحيد الصفوف الشعبية والنخبوية حول المبادئ الجامعة: الحرية، العدل، الكرامة، السيادة.
في خلاصة فإن المنطقة على أعتاب فرصة تاريخية، إما أن تنهض من بين ركام النكبات، وإما أن تستسلم لموجة تطبيعية لا تُبقي ولا تذر.
ومعركة غــــزة اليوم، هي امتحان لكل ذلك.
امتحان للضمير، وللرجولة، وللإرادة السياسية والشعبية.
فمن انحاز لغزة اليوم، سيكون في صف النصر غدا، ومن خذلها، حُكم عليه بالخزي.
إنها لحظة من لحظات السنن الربانية التي تمر بها الأمم وهي تخرج من محنها إلى منحها، ومن ليلها إلى فجرها. {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.
وإن هذه المتغيرات ليست إلا من بشائر التغيير الذي وعد الله به عباده الصابرين المجــــاهدين: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}.