الحياة اليومية: اسريفي عبد السلام
من المفارقات العجيبة بإقليم الخميسات أنه الإقليم الوحيد بجهة الرباط سلا القنيطرة الذي يزخر بخيرات طبيعية لا حدود لها، وله من الإمكانيات ما يجعله يتقدم على كل الأقاليم بالجهة وحتى بالمغرب، غير أنه للأسف الشديد كُتب على الساكنة الفقر وكتب على المستثمر الغنا والجاه والمال.
فهذه قرية تارميلات التابعة ترابيا لإقليم الخميسات المركونة شرق العاصمة 160 كلم والبعيدة عن جماعة والماس بأقل من 12 كلم تزخر بخيرات طبيعية وافرة ( ثروة الغابة، مياه معدنية،تربية المواشي،مزارع عصرية لتصدير الفواكه…)، لكنها عرضة للنهب والاستغلال المفرط، ولا تنتفع من هذه الخيرات إلا الأقلية، فيما تنتشر البطالة وتنشط الهجرات الجماعية نحو المدن المجاورة.
هذا بالإضافة أن القرية تعاني نقص مهول في جل الخدمات (التعليم، الصحة، الشغل…)، حيث أن أقرب مستشفى من المركز يبعد بـ90 كلم، ويسكن الناس في منازل هي عبارة عن أكواخ من صنع تقليدي لا تتوفر على الإنارة ولا على الماء الشروب ولا حتى الصرف الصحي، هذا مع العلم أنها تتوفر على مياه معدنية طبيعية يشربها العالم بأسره وتذر أرباحا خيالية على ملاكيها.
الأمر يتعلق بعيون الماء المعدني في حوض أولماس التي تمتلكها عائلة عبد القادر بن صالح وهو من الموقعين على عريضة الاستقلال، أتاح له الحسن الثاني حينها عام 1962 الحصول على 700 هكتار من الأراضي المسقية التي كانت في ملكية المعمرين الأجانب. الشركة يسيرها الآن كل من محمد حسن ومريم أبناء عبد القادر بن صالح. وقد أنشئت عام 1934 وظلت بيد الأجانب إلى غاية 1973 وتقوم باستغلال عيون الماء المعدني في حوض أولماس، يوجد معملها جوار قرية تارميلات ولها محطات للضخ وأحواض للتصفية وشاحنات عملاقة، وتصل قدرة الإنتاج حسب آخر المعلومات المتوفرة لدينا إلى مليون قارورة يوميا.
وتملكها الآن شركة أولماس المملوكة لعائلة بنصالح على نحو نسبة 60 بالمائة من سوق المياه المعبأة التي يبلغ إجمالي إيراداتها السنوية إلى 650 مليون درهم وما فوق، حسب بعض المصادر. وتبيع الشركة مياه معدنية طبيعية (سيدي علي) ومياه معدنية طبيعية فوراة (أولماس) ومياه معالجة ساكنة (بهية).
أرباح الشركة في تزايد مستمر خاصة بعد غزوها للأسواق الأوربية والإفريقية، رأسمالها في ارتفاع مستمر من 55 مليون درهم ليصل حسب آخر المعلومات إلى 150 مليون درهم.
هذا وتستفيد جماعة والماس من اقتطاع 20 سنتيم عن كل قارورة ليتر ماء معدني و10 عن الباقي أي زهاء مليار و800 مليون سنتيم، بالإضافة إلى الدعم السنوي الذي يتجاوز 9 ملايير سنتيم سنويا.
كل هذه الأرقام وأخرى وقرية تارميلات تعيش تحت عتبة الفقر، وسكانها مازالوا يقطنون تحت القصدير ويقتاتون على الفتات ومحرومون على في العمل داخل المعمل في انتظار عطف الشركة أو جهة أخرى، هذا أمام صمت الكل (منتخبون وسلطة)، فلا أحد يستطيع أن يترافع عن هذه الفئة من رعايا الملك، ولا أحد يستطيع القول بأن هذا استنزاف لخيرات المنطقة وتقصير في تنميتها والعناية بها. حتى عامل الإقليم فبعد الزيارة المفاجئة التي قام بها لمعمل سيدي علي، استبشرت الساكنة خيرا واعتبرتها بداية لمرحلة جديدة، لكن مع الوقت تبين أن الزيارة كانت مجرد ذر الرماد في العيون وأن المصير سيبقى محتوما رغم تغيير الأسماء والوجوه.
السبب واضح للعيان ويعرفه العام والخاص بإقليم الخميسات، فمساهمة الشركة التي تقدمها على شكل تعويض يتم التلاعب بها ونهبها من قبل جهات نافذة(..) فيما تعاني الساكنة الأمرين: الفقر المدقع واستنزاف فرشات مائية، الأمر الذي تضطر معه العديد من العائلات إلى بيع ما تملكه من قطع أرضية والهجرة إلى المدن المجاورة للبحث عن حياة أفضل.
الساكنة التي تقاوم داخل هذه القرية المنسية تطالب الجهات المعنية بالاهتمام لأمرها وإنصافها خصوصا أن هناك إمكانية تنمية المنطقة وخلق فرص شغل وتوفير مرافق خدماتية بشكل يضمن الاستقرار والشغل، فالمطلوب وجود إرادة وحسن نية وتعويض المنطقة عن خسارتها للفرشة المائية وتهديد أمنها البيئي والطبيعي على المدى المتوسط والبعيد.