علقت السعودية ليلة أمس شحن نفطها الخام عبر مضيق باب المندب، بعد تمكن الجيش اليمني واللجان الشعبية من إصابة ناقلة للنفط بضربة من طائرة مسيرة.
وقال وزير النفط السعودي، إن هذا القرار سيبقى ساري المفعول إلى حين تبدل الوضع.
ولم تكن الضربة الموجهة لناقلة النفط السعودية التي تلقتها الرياض ليلة أمس الوحيدة، فما كادت الرياض تبتلع الخبر حتى أجهز أنصار الله بصاروخ على زورق حربي محمل بالأسلحة، وفق بيان للجيش اليمني واللجان الشعبية، قرب الحديدة ماادى إلى تدميره بالكامل ومقتل من كان على متنه.
هذا الهجوم من طرف الجيش اليمني واللجان الشعبية على أهداف معادية في هذه المنطقة الاستراتيجية من البحر الأحمر ليس الأول من نوعه، ففي يوليوز من العام الماضي، كانت ناقلة نفط سعودية أيضا قد تعرضت لهجوم مماثل على يد أنصار الله، وقبل ذلك بنحو عام تعرضت بارجة عسكرية أمريكية لهجوم على يد الحوثيين.
بيد أن ما وقع أمس بكتسي أهمية استثنائية، لأسباب تتعلق بالظروف المستجدة على المستوي الإقليمي بشكل عام، وليس فقط بالحرب التي تواصلها السعودية على اليمن.
فالصراع الامريكي مع ايران، خاصة بعد فشل المشروع الامريكي الإسرائيلي في سوريا، والذي تعتبر السعودية جزءا من أدوات تنفيذه بات قاب قوسين من الفشل النهائي.
وبموجب هذه الحقيقة الماثلة على الارض، انتقلت الحرب الأمريكية على إيران من حرب عسكرية على الأرض السورية، إلى حرب عقوبات اقتصادية وتجارية وحرب تنافس على التحكم في معابر التجارة الدولية.
وبطبيعة الحال، فمعبر باب المندب على البحر الاحمر يعد واحدا من هذه المعابر.
لذلك، ولاهميته الاستراتيجية البالغة كونه حلقة الربط المائي بين البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب، وحلقة تماس بين الساحل الاسيوي (عند راس منهالي) والساحل الإفربقي عند راس سيان، وبالنظر إلى حصته المرتفعة من نسبة تدفق التجارة الدولية بواقع 21000 قطعة بحرية سنويا، فقد ركزت السعودية بدعم عسكري أمريكي ومشاركة إماراتية منذ أزيد من شهرين على محاولة حسم معركة الحديدة للإشراف على باب المندب وجعله خارج الحسابات الإيرانية، التي كانت رسالتها إلى واشنطن واضحة: “أما ان يمر نفط الجميع أو لا أحد”.
لكن معركة الحديدة بين السعودية وأنصار الله المحسوبين على إيران من وجهة نظر سعودية وأمريكية على الاقل، سارت حتى الآن بعكس الحسم السريع الذي كانت تروج له الرياض عند إعلانها الحرب على الحديدة.
إذن، تزامنت الضربة الموجهة الى سفينة النفط السعودية والزورق الحربي السعودي مع التصعيد الأمريكي الإيراني، ولم يعد بالإمكان قراءة هذا المستجد خارج سياق التطور الدراماتيكي الذي تشهده المنطقة، ولم يعد من الممكن للرياض، أن تزعم القدرة على التحكم في مسار الأحداث على قدم المساواة مع إيران، التي اختارتها عدوا بديلا لإسرائيل.
ولعل أبرز ما يؤكد سقوط الرهان على السعودية في هذا الاتجاه، إعلان الكويت عن تعليق تسويق نفطها عبر باب المندب، وهو إجراء مرشح لأن تنتجه دول خليجية اخرى، وفي آخر ما تبقى من حساباتها ان يتم الضغط على مصر لتنجر إلى حرب اليمن بجانب التحالف السعودي من جهة، والضغط على قوى دولية بموازاة ذلك، لإبعاد أنصار الله عن الحديدة من خلال عملية التفاوض التي يقودها الوسيط الأممي البريطاني، وهي حسابات مشكوك في جدواها، لأن الحوثيين لن يسلموا السعودية بالدبلوماسية مالم تستطع أن تأخذه بالقوة.