هذا المقال للرأي عبارة عن فقرات قامت الحياة اليومية بتجميعها وتعديلها وتصويبها منذ أيام في انتظار ذكرى السابع أكتوبر، وذلك نقلا عن النقيب محمد زيان معتقل الرأي بسجن «العرجات 1».
تخلد الشعوب العربية اليوم الإثنين 7 أكتوبر، الذكرى الأولى لعملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها منظمة المقاومة الشعبية «حماس» على الكيان الصهيوني، والتي كانت عملية استباقية لاجتياح إسرائيل لغزة فيما سمي حرب إسرائيل على غزة.
على مرِّ سنة استطاعت حركة «حماس» أن تُواجه إسرائيل لمدة سنة بكاملها، وهو أمر ليس بالسهل؛ فجميع القِوى العربية مُوَحدة لم تستطع مواجهة إسرائيل لأكثر من أسبوع، في حين استطاعت هذه الحركة الاستمرار في المقاومة لسنة كاملة باعتبارها قوة متجذرة في الشعب الفلسطيني.
سياسة إسرائيل كانت واضحة؛ فقد أمرت جيْشها بقصفٍ جوي على المدنيين في غزة، وهي تظن أن بقصفها لسكان غزة ستقوم بإبعاد قادة «حماس» وتشتيت عناصرها إلا أن ما وقع كان العكس. فصححت إسرائيل أهدافها وبدأت، أولاً، بقصف الأماكن الآهلة بالنساء والأطفال، لماذا؟ لأن المرأة تُنجب؛ فعدد الفلسطينيين اليوم في غزة وفي الضفة الغربية وفي الأراضي التي تعتبرها منظمة الأمم المتحدة «دولة إسرائيل» يفوق عددَ السكان الإسرائيليين، ولهذا السبب أرادوا وضعَ حدٍ للإنجاب عمدا وعن سبق إصرار من طرف الحكومة الإسرائيلية في إطار جريمة ضد الإنسانية، ثم كهدف ثان قتل عدد أكبر من الأطفال لأنهم يمثلون مجاهدي الغد.
وفعلا قصفَت إسرائيل المدارس ومخيمات النازحين والمجمعات النائية، ولم تقصف أبدًا أهدافا عسكرية أو مجمعات حركة «حماس». ولمَّا تجلت هذه الحقيقة إلى العالم وكثرت المظاهرات في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الشوارع الأوروبية، قرر الديوان الحربي الإسرائيلي استهداف زعماء الحركة وعلى رأسهم: إسماعيل هنية؛ فحاولت المرة الأولى وأدى ذلك إلى استشهاد عائلته إلا أنه لم يكن موجودا في منزله، واستمرت في عمليتها واستهدفت رؤساء الحركة في المناطق الحربية واستطاعت أخيرا قتله في إيران، وهي عملية خرقت من خلالها سيادة دولةٍ عضوٍ في الأمم المتحدة وهو أمر لا يقبله القانون الدولي العام.
رغم كل هذه التجاوزات الدولية والآلام التي تخلفها كل عملية من عمليات الإبادة لم تستطيع إسرائيل المساس بالقدرة والقوة النضالية لـ«حماس» إذ استمرت في الدفاع عن شعْبها، ما جعل مجرمي الحرب يُفكرون في تغيير توجههم نحو لبنان واتهام حزب الله بكونه من دبَّر هذه الأعمال. ولم تتردد إسرائيل في قصف أحياء مدنيين عزل إلى أن وصلت إلى عاصمة اللبنانية بيروت؛ فقصفت جنوب لبنان وشرقه مُدَّعِية أنها تستهدف مواقع عسكرية والحال أنها تستهدف مسؤولي حزب الله، واستمرت في عملياتها إلى أن اغتالت زعيمه: حسن نصر الله.
غير أنه بالتوقف عند هذه الواقعة، لابد لنا أن نتذكر قول الله تعالى: «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند الله يرزقون».
وفعلا، إني متأكد بأن الله سبحانه وتعالى جزاهم خير جزاءٍ باستشهادهم وكفى بهم نضالا وابتلاءً وتضحيات ليُمتعهم بما يُمَتِّعُ كل مجاهدٍ أو مناضلٍ مدافعٍ من أجل الحق، فهم في الجنة قبل يوم الحساب كما وعد سبحانه.
وبما أن إسرائيل والعالم الغربي بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية بكل ما لديهما من مخابرات يجهلان الكثير عن التنظيمات والنظام الإسلامي، فهما يجهلان بأن اغتيال أي عنصر من عناصر هذه التنظيمات أو قادتها لن يغير شيئا على أرض الواقع أو في هاته التنظيمات نفسها لكونها لا ترتكز على الزعيم أبدا، وهو ما فسره رد الفعل الإيراني على عملية اغتيال حسن نصر الله؛ فالتنظيم يعين تلقائيا مرشحا جديدا مستعدا للاستشهاد، إذ الرئاسة بمفهوم هذه التنظيمات هي فقط درجة تظهر في الواجهة للاستشهاد دون الاستفادة من أي امتياز.
إذا كان الغرب يريد قبل زمن، حلَّ الأزمة مع الدول والمنظمات الإسلامية، فعليه اليوم فتح حوارٍ صادقٍ وجدي والتنازل عن استعمال العنف كشرط أول، وأن يفهم العالم الغربي بأن الشعوب العربية لن تتنازل عن حماية حركات المقاومة إلا إذا أظهر الغرب حسن نيَّتهم كشرط ثان، ثم أن تسترجع هذه الشعوب العربية ثرواتها وتحاكم كل مسؤول سوَّلت له نفسه المساس بالقيم الحضارية، أما ما سيجعل الغرب يسترجع ثقته في الشعوب الإسلامية فهو أن تبَيِّن هذه الأخيرة أن لديها فعلا ما تؤمن به.