كل عام، تحل قفة رمضان ضيفًا ثقيلاً على السياسة المغربية، حيث تتحول من عمل خيري إلى حملة انتخابية سابقة لأوانها شعارها الأساسي: «الصوت مقابل القفة». لكن هذا العام، يبدو أن المشهد أصبح أكثر إثارة، بعد أن تحولت القفة من وسيلة لاستمالة الناخبين إلى سبب في استقالات حزبية وصراعات داخلية حول «العدالة التوزيعية» للزيت والدقيق.
لم تمضِ أيام على فضيحة ضبط شاحنة تابعة لجماعة قروية محملة بالقفف داخل منزل عائلة وزير من حزب «أغراس أغراس»، حتى خرج علينا المنسق الإقليمي لحزب رئيس الحكومة بمدينة ميدلت ليعلن استقالته. وذلك ليس احتجاجًا على ضعف أداء حكومته، أو فشلها في تحقيق الوعود الانتخابية، بل لسبب أكثر نبلاً وأهمية: حرمانُه من حصته العادلة من قفة «جود» الرمضانية وبَطَانِيَة الشتاء!
هذا السياسي الغاضب لم يكتفِ بالاستقالة، بل وجّه اتهاماته لأعضاء من حزب حكومة «الدولة الاجتماعية» في منطقته، مؤكدًا أنهم مارسوا عليه الإقصاء والتهميش… ولكن ليس في فرص التنمية أو النقاشات السياسية، بل في توزيع القفف! وكأن المعركة السياسية لم تعد حول خلق فرص العمل، أو محاربة الفساد، أو تحقيق العدالة الاجتماعية، بل حول عدد الأكياس المليئة بالسكر والدقيق التي ستحمل اسمك في انتخابات الغد.
هذه الواقعة، كشفت بالملموس أن النضال انتقل من الدفاع عن الثروات الوطنية وحقوق المواطنين في العيش الكريم، إلى نضال قائم على عدد القُفَفِ التي يمكن أن تحصل عليها من «جود». فمعيار النجاح في الانتخابات صار أمرا بسيطًا: كلما وزّعت قففًا أكثر، كلما ضمنت عددًا أكبر من الأصوات.
مع هاذ الساسيين اللي بلانا بهم الله فهاذ الوطن العزيز فقد لا نستغرب أن تتنافس الأحزاب مستقبلا ليس بالبرامج الاقتصادية والاجتماعية بل بشعارات مثل: «قفة لكل مواطن» أو «صوتك يساوي كيسًا إضافيًا من العدس»!