أيمن سلام-عبد الاله سلام.
موضوع له راهنيته، ويستحق الكتابة فيه، بل أكثر من ذلك وبدون مبالغة، تحولت المهرجانات والمواسم في إقليم الرحامنة إلى ظاهرة اجتماعية تستحق قراءة وبحوث.
ولا نستثني نفس الواقع بباقي أقاليم البلاد وبتلاوين مختلفة.
قبل التراث هناك الواقع
يلاحظ الجميع أن كل جماعة بهذا الاقليم تستفرد بمهرجان خاص بها، نجد _على سبيل المثال لا الحصر_ مهرجان “الطلبة” ببوشان، مهرجان “سلاّم” باولاد املول، مهرجان “دراع الزيتون” بانزالت العظم، مهرجان صخور الرحامنة ومهرجان ابن جرير ومهرجان سيدي بوعثمان وغيرها.
والسؤال الذي يجب أن يُسائلنا جميعًا في هذه الحالة، هو؛ لماذا كل جماعة تستفرد بمهرجان خاص بها؟
هذه المقالة ليست من باب التزايد على التراث المادي أو اللامادي كموضوع، أو من باب الرفض لفكرة المهرجان عينها، وإنما من باب فهم واقعنا الاجتماعي، الذي صار يهدد فكرنا، ونمط عيشنا وفهمنا للحياة، وتحديد التناقضات الرئيسية والتناقضات الثانوية فيه.
هذا الواقع الاجتماعي الذي نحياه تشوهت فيه مفاهيم كالتراث والاختلاف والثقافة والحداثة والسياسة..الخ. بسبب البؤس وإعادة إنتاجه وتراكمه في المجتمع.
ويشمل واقع إقليم الرحامنة أوضاع اقتصادية واجتماعية وفكرية كارثية، وجب الوقوف عليها، أملا في انتظار توضيح الجهات المسؤولة ما يمكن توضيحه، فقد سئم الناس من التهميش والاقصاء وسياسة الاذان الصماء.
أوضاع اقتصادية
هو من أكبر أقاليم المغرب مساحة، يواجه الحرمان والنسيان، إقليم الرحامنة حيث النسبة الأكبر من سكانه تعيش في القرى والمداشر، دواوير متفرقة تعتمد على الفلاحة. ولأن المناخ جاف وشبه صحراوي، فإن الشتاء تعتبر المحدد والمحرك الرئيسي في حياة الآلاف من الأسر. وهذا ما يخلف أوضاع اقتصادية صعبة. سواء في المجال القروي أو المجال الحضري، فإن فرص الشغل غائبة و/أو مغيَّبة.
رغم نشاط مجموعة OCP في مدينة ابن جرير الفوسفاطية، فإن البطالة تضم عددا كبيرا من الشباب العاطل عن العمل في هذه المدينة، وهي أولى حواضر هذا الإقليم وأكبر مدنه مساحة وكثافة سكانية.
والأمر نفسه بالمدينة الصغيرة سيدي بوعثمان، ثاني حواضر الاقليم، والتي لم يستطع الحي الصناعي الكبير فيها توفير فرص شغل للفئة الأكبر من الشباب القاطنين بالمدينة ونواحيها.
ومن خلال رصدنا وتتبعنا للوحدات والشركات الصناعية في المنطقة، لاحظنا محدودية عددها أولا، ومحدودية العمال الناشطين والمنتجين فيها ثانيا، كما لاحظنا نسبة كبيرة من المشغَّلين القادمين من أقاليم أخرى.
والحالة هاته، تدفع بشريحة واسعة من مواطنين ومواطنات هذا الإقليم نحو الضيعات والمزارع، إذا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا فإنهم يكدحون يوما كاملا بمقابل 80 درهما أو أقل، في شروط صعبة وفي غياب الضمانات القانونية.
أوضاع اجتماعية
اليوم، وإذ نحن نتابع على هواتفنا الذكية، نجد الصين قد بلغت مستويات متقدمة في المجال الصحي، حيث يتم تقديم الرعاية الصحية عن بعد في المناطق النائية، بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، فإننا نستغرب لكيفية تقديم الخدمات الصحية في الرحامنة، حيث هنا ما زالت الساكنة تطالب بماسح طبي “سكانير” يساعد في تشخيص المرض، يظن عدد كبير من الناس أن لا وجود له، وهو في أفضل الحالات موجود لكن معطل بفعل فاعل.
إن اشتغاله يعني تشخيص أعطاب وأمراض الناس، الأمر الذي لن يعجب أصحاب سردية “كل شيء على ما يرام هنا”.
فمتى يشتغل “السكانير”؟.
أول خطوة في مسار إصلاح الإقليم والنهوض به هي وجود ماسح طبي أو أكثر، يشخص أمراض المواطنون والمواطنات. وبعد التشخيص والتعرف على الداء الذي ينخر أجسادهم، ننتقل إلى خطوة لا تقل أهمية وهي توفير العلاج والأدوية للساكنة.
هناك دواوير قريبة من مخلفات الفوسفاط، تحتاج تتبعا مستمرا، وعلاجًا لما يمكن أن تتسبب فيه هذه المخلفات، من أمراض تنفسية، جلدية، وأمراض اللثة.
ومدينة سيدي بوعثمان، التي تعتبر وجهة لأزيد من 35 قرية للحصول على الخدمات الصحية، منذ أزيد من سنتين وهي بدون مستشفى.
ربما الساكنة تأقلمت مع هذا الظرف وجنحت إلى العلاج الطبيعي، حيث يبقى المريض في صراع وجودي مع مرضه مستعملا ما تجود به الطبيعة لمواجهته، في ظل غياب خدمات الرعاية الصحية.
طرق مهمشة، بوادي منسية، حتى الحواضر القليلة جدًا؛ بنيتها التحتية ضعيفة، ومرافقها محدودة، تقتل الحياة الاجتماعية، ولا تراعي تطلعات الساكنة.
وسائل النقل والمواصلات في الرحامنة لا تلبي احتياجات المواطنين/ات. إننا أمام تخطيط وتدبير مُشوهين.
يعاني الطلبة في مدينة سيدي بوعثمان من مشكلة خطيرة، نتج عنها رسوب بعض الطلبة بسبب عدم قدرتهم على الالتحاق بالجامعة في وقت الامتحان المحدد. وذلك لتجاوز حافلات النقل ALSA محطة الوقوف في سيدي بوعثمان مرتين أو ثلاثة بشكل متتالي.
ماذا عن الطلبة الذي يقطنون في دواوير بعيدة؟
مظهر سوريالي فاق عبثية كامو
كان من الضروري لنا الوقوف عن هذه الاشكالات، قبل التطرق إلى مظهر سوريالي فاق عبثية ألبير كامو هو حينما يتجاوز المسؤولين المشاكل الحقيقية للجماعات ويجعلون كل واحدة تستفرد بمهرجان أو موسم خاص بها، كأننا أمام جماعات مستقلة، والحال أنها جماعات تنضوي تحت نفس الإقليم، لها نفس التراث والتقاليد والعادات، نفس التاريخ وربما نفس التفكير، الشيء الذي يجعلنا أمام مهرجانات/مواسم مكررة بنفس الصيغة طيلة السنة.
إننا لسنا ضد تنظيم هذه التظاهرات الاحتفالية، بل بالعكس واعيان بأهميتها، فالشعوب التي لا تحتفل تقع فريسة لليأس.
لكن ما لا يمكن فهمه هو هذا الانفصال الجماعاتي في الاحتفال، والذي يشجع على التفرقة أكثر مما يشجع على الوحدة الإقليمية. ألم يكن من الأجدر والأفضل توحيد الجهود الجماعاتية، وتنظيم مهرجان إقليمي سنوي يخدم إشعاع المنطقة، عوض هذه المهرجانات المتفرقة هنا وهناك، والتي لا تخدم سوى مصالح شخصية ضيقة؟
قبل التفكير في مثل هذه المهرجانات، وهي بطبيعة الحال أشياء ترفيهية، وجب الحسم مع الأساسيات داخل الإقليم، والحديث هنا عن الصحة، التعليم، التشغيل، المواصلات، المرافق العمومية.
ما هي تكلفة هاته المهرجانات اذن؟
قبل خمسة شهور صرح رئيس جماعة صخور الرحامنة في أحد قنوات يوتيوب قائلا: “هذا المهرجان يُقام ب 56 مليون سنتيم”.
هذا العدد رغم قلته، سنعتبره هو متوسط تكلفة مهرجان واحد.
بعد عملية بحث بسيطة عن أقصى أسعار أجهزة المسح الطبي، وجدنا أن تكلفة مهرجان واحد قادرة على توفير المعدات التالية لأربعة مستشفيات أو مراكز صحية: جهاز تحليل الكيمياء التلقائي، جهاز تحليل أمراض الدم الأوتوماتيكي، وجهاز تحليل تجلط الدم.
وإذا اعتبرنا سعر جهاز الماسح الضوئي بالموجات فوق الصوتية المتخصص، هو 200 مليون سنتيم، فإن تكلفة أربع مهرجانات في سنة واحدة كافية بتحصين جهاز واحد لهذا الإقليم. دون التخلي عن فكرة مهرجان إقليمي موحد.
من المستفيد اذن من هذه المهرجانات ومن المتضرر!
إن المواطنين/ات واعون بثانوية المهرجانات، لم تعد شريحة واسعة من الناس تتعاطى مع هذه التظاهرات المبتذلة، إذ هي مشغولة باليومي، وبأساسيات الحياة.
كما أن هناك شريحة واسعة من الناس، لم تعد ترى في هذه المهرجات إلا وسيلة لنشر الحقد والكراهية والتشتت، أو وسيلة لتفريغ الشعب من التفكير الجاد والمسؤول، وإنتاج جمهور أكثر ما يُبدع فيه هو التصفيق.