المجلس الأوروبي يحذر الأجهزة الأمنية من انتهاك حرية التعبير وجوهر حقوق الإنسان بواسطة بيغاسوس
أكد أن الأجهزة الأمنية للدول استخدمت بيغاسوس بشكل غير قانوني ولأغراض تجسس وطنية ودولية

مر أكثر من 18 شهرًا منذ أن نشر صحفيون استقصائيون في إطار تحالف دولي، نتائج تحقيقهم حول “مشروع بيغاسوس”، والذي سجل أكثر من 50000 رقم هاتف، بما في ذلك أرقام المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والأكاديميين وقادة المعارضة بالعديد من الدول غير الديمقراطية، كأهداف محتملة للمراقبة باستخدام برنامج التجسس بيغاسوس Pegasus.
هذه البرمجية الخبيثة التي أصابت أيضا هواتف المدافعين عن حقوق الإنسان أو المؤسسات الفاعلة في المجال ومؤسسات دولية كبرى كالمجلس الأوروبي الذي أعلن هو الآخر عن اختراق بيغاسوس لهواتف شركائه ومنذ فترة طويلة، مثل المدافعة الأذربيجانية عن حقوق الإنسان خديجة إسماعيلوفا.
كيف تشتغل هذه البرمجية الخبيثة؟
Pegasus هو برنامج مراقبة متطور وشديد الاقتحام، ويُسمح لمستخدم البرنامج بالوصول إلى جهاز الشخص المستهدف بالكامل واختراق جميع البيانات المتعلقة بالجهاز، دون أن يقوم الهدف بأي شيء ودون أن يعرف أنه ضحية لسكتة دماغية.
ويمكن لهذا البرنامج تنشيط ميكروفون وكاميرا الهاتف الذكي للتجسس على مالكه أو بيئته، كما يمكنه الوصول إلى بياناته المخزنة.
كيف تتم الحماية من هذه الاختراقات؟
لا توجد أية وسيلة للحماية من هذه الاختراقات، كما أنها لا تتطلب أي إجراء من مستخدم الهاتف.
إلا أن الحمل يبقى ملقى على الحكومات التي من واجبها ضمان الأمن داخل حدودها. وفي مجتمع ديمقراطي، قد يكون استخدام تقنيات المراقبة المتطورة ضروريًا للأمن القومي أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
وينص قانون السوابق القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، على أن أي مراقبة يجب أن ينص عليها القانون، وأن تسعى إلى تحقيق هدف مشروع وأن تكون ضرورية ومتناسبة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يوفر الإطار القانوني لضمانات دقيقة وفعالة وشاملة فيما يتعلق باعتماد وتنفيذ تدابير المراقبة، وكذلك التعويض عن النتائج المحتملة لهذه التدابير التي يجب أن تخضع للرقابة القضائية والإشراف الفعال.
على الرغم من ذلك، فإن العديد من العناصر تظهر بأن برنامج Pegasus تم استخدامه بشكل غير قانوني ولأغراض تجسس وطنية ودولية وليس لأغراض السلامة العامة المشروعة.
لقد جمعت تحقيقات عديدة على المستويين الوطني والأوروبي، أدلة تتعلق بالاستخدام غير القانوني لبرامج التجسس التجارية وحيازتها وبيعها وتصديرها من قبل العديد من الدول سيما الدول الأعضاء بالمجلس الأوروبي.
وتتزايد عمليات الكشف عن حالات استهداف الصحفيين ببرامج التجسس، مما يشير إلى أن ما نعرفه اليوم ليس سوى غيض من فيض.
بيغاسوس يهدد جوهر حقوق الإنسان وحرية التعبير والحياة الخاصة للأفراد
في هذا الصدد، قال مفوض حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، بأنه يشعر بالقلق من عواقب استخدام برامج التجسس التي تسمح بالوصول غير المقيد إلى الحياة الخاصة لشخص ما، مؤكدا بأن هذه الممارسات لا تهدد فقط الحق في احترام الحياة الخاصة وضمانات حماية البيانات الشخصية، المنصوص عليها في المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والمحمية بالنسخة المحدثة من اتفاقية مجلس أوروبا لحماية البيانات الشخصية، بل إن استخدامها له آثار مروعة تضر أيضًا بحقوق الإنسان والحريات الأساسية الأخرى، بما في ذلك حرية التعبير والمشاركة في النقاش العام.
وأكد أيضا بأن مثل هذه البرمجيات يخلق مناخًا من الرقابة الذاتية والخوف، حيث يمكن معاملة أي شخص على أنه مشتبه فيه ويتعرض فيه المدافعون عن حقوق الإنسان والجهات الفاعلة السياسية للتهديد بشكل خاص.
كما أفاد بأن التجسس على الصحفيين بالبرمجيات يضر بسرية مصادرهم، ونتيجة لذلك، فإنه يكرس انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، مشيرا إلى أنه يجب على الدول الأعضاء في مجلس أوروبا الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاقية الأوروبية، كما فسرتها المحكمة الأوروبية، والتأكد من أن هذا الاستخدام يحترم مبادئ الشرعية والشرعية والضرورة والتناسب.
ووحسبه، فإنه أصبح من الضروري أن يتم تحديد قانون يجيز إجراءات المراقبة، بوضوح وبدقة، للجرائم والأنشطة والأشخاص الخاضعين للمراقبة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب الحد بشكل صارم من مدة التدابير، وأن يتم وضع قواعد بشأن الكشف عن البيانات التي تم الحصول عليها من خلال المراقبة وإتلافها.
كما ينبغي وضع إجراءات صارمة لمراجعة المعلومات التي تم الحصول عليها واستخدامها والاحتفاظ بها.
هل يمكن تحديد الأهداف والجرائم والأنشطة التي يجب مراقبتها بوضوح؟
مع الانتشار المتزايد لبرنامج التجسس المتطفل Pegasus، فإن السؤال الذي بات يطرح نفسه هو ما إذا كان يمكن تحديد الأهداف والجرائم والأنشطة التي يقوم بها؟
وهنا، أشار المشرف الأوروبي على حماية البيانات، بأن برنامج مثل Pegasus يمثل تغييرًا جذريًا في المراقبة الإلكترونية، حيث إن مثل هذه الأدوات للقرصنة تهدف إلى تجاوز آليات الأمان واستغلال نقاط الضعف في أنظمة الكمبيوتر، مما يسمح بالتأثير على جميع مجالات حياة الأشخاص المستهدفين والوصول إلى مستوى من التدخل لا يمكن أن يكون دقيقًا أو يقتصر على شخص واحد أو فترة محددة.
علاوة على ذلك، يصعب لغاية الآن اكتشاف الإصابة ببرامج التجسس المتطورة هذه وإثباتها، ومن الصعب جدًا على الضحية ممارسة حقها في الحصول على تعويض فعال.
بالإضافة، إلى أن المعلومات التي تم تجميعها حتى الآن، تشير إلى أن برامج التجسس التجارية غالبًا ما تُستخدم بدون أمر من المحكمة أو رقابة ديمقراطية، ولا تُستخدم لتجنب خطر جسيم ووشيك على الأمن القومي أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم، فهناك القليل من المؤشرات على أنه تم منع الجرائم بفضل هذا البرنامج، ولكن العديد منها يشير إلى أن هذا البرنامج يُستخدم للتجسس على المواطنين العاديين لأغراض سياسية.
لذلك يبدو الآن أن برامج التجسس هي جزء لا يتجزأ من ترسانة الدولة لقمع أنشطة حقوق الإنسان تحت ذريعة حماية الأمن القومي في معظم الحالات.
إن حقيقة التحقيقات في الظروف المحيطة باستخدام Pegasus وبرامج التجسس الأخرى قد أعاقها الافتقار إلى الشفافية والتعاون من جانب الحكومات المعنية والتي لا تساعد في تبديد الاتهامات من طرف قائمة من المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين والسياسيين الذين نعرف أنهم مستهدفين.
مراقبة سرية غير محدودة ليست ضرورية ولا متناسبة في مجتمع ديمقراطي
يقر القانون في هذا الباب، بأن الدول المتعاقدة تتمتع بسلطة تقديرية معينة فيما يتعلق باختيار أساليب نظام المراقبة، لكنها ترى أنه ليس لديها بالتالي حرية غير محدودة للخضوع لتدابير المراقبة السرية للأشخاص الخاضعين لولايتها القضائية.
إذ لا يمكن باسم مكافحة التجسس والإرهاب، اتخاذ أي إجراء يرونه مناسبا.
وعلى العكس من ذلك، يؤكد القانون على الأهمية الحيوية لضمان عدم استخدام أجهزة المخابرات السرية إلا في حالة وجود تهديد خطير وعندما ثبت أن وسائل وأدوات التحقيق التقليدية غير فعالة في قضية معينة.
ومع ذلك، ونظرًا للضرر الهائل الذي يلحقه استخدام برامج التجسس القوية والمتطفلة بحقوق الخصوصية للهدف وعدد غير محدد من أفراد حاشيته، فمن الصعب تخيل سيناريو يكون فيه هذا الاستخدام متناسبًا مع الهدف المنشود، وبالتالي متوافق مع معايير حقوق الإنسان.
النمو الهائل لسوق برامج التجسس
إن استخدام برامج التجسس من قبل الوكالات الحكومية، ليس هو المصدر الوحيد للمخاوف الخطيرة المتعلقة بحقوق الإنسان في أوروبا.
ففي الواقع، كانت صناعة برامج التجسس مزدهرة منذ عقود، حيث يتم تصدير أدوات Pegasus وCandiru وPredator وما يعادلها من أدوات القرصنة وبيعها لمن يدفع أعلى سعر، غالبًا بدون تراخيص تصدير مناسبة أو إجراءات فحص أخرى.
وقد تم الكشف مؤخرًا عن تسليم برنامج التجسس الأوروبي بريداتور إلى ميليشيا سودانية، وهو أمر صادم ولكنه للأسف ليس مفاجئًا.
لقد لاحظ المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، ديفيد كاي، بقلق في عام 2019 أن المراقبة من خلال اختراق الأجهزة المحمولة، والتي كانت تُمارس بالفعل في 45 دولة على الأقل، كانت تتطور بسبب عدم وجود ضوابط كافية تمارس على الصادرات ونقل التكنولوجيا.
وشددت على أن التزامات الدول في مجال حقوق الإنسان تشمل الالتزام بمنع انتهاكات حقوق الإنسان من قبل أطراف أخرى، والتحقيق في الانتهاكات، ومعاقبة الجناة، وتقديم تعويضات للضحايا.
كما أشار إلى مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.
ووفقًا لهذا النص، ينبغي للدول أن تمارس الرقابة الكافية عندما تبرم عقدًا مع شركة لتقديم خدمات قد يكون لها تأثير على حقوق الإنسان.
وبالتالي، فإن هذه المبادئ التوجيهية مفيدة للغاية في سياق علاقات الدول مع شركات المراقبة الخاصة، علما أن الإشراف على معاملات الشركات الخاصة لا يزال ضعيفًا ومتقطعًا في بيئة وُصفت بأنها ثقافة عدم الامتثال لضمانات الخصوصية المعمول بها في أوروبا.
وبشكل عام، فإن برامج التجسس متوفرة وبدون تراخيص، ويتم تسهيل استخدامها على أرقام الهواتف من خلال حقيقة استمرار جمع البيانات الشخصية، ومعالجتها وبيعها بنسب غير مسبوقة للشركات في جميع أنحاء العالم، في كثير من الأحيان دون موافقة الأشخاص المعنيين.
في مثل هذه البيئة، من الصعب للغاية حماية وإنفاذ الحق الأساسي في الخصوصية، والذي قد يختفي.
في الحاجة إلى إطار قانوني يحكم بشكل مرضٍ عمل أجهزته الأمنية
مفوض حقوق الإنسان أشار في هذه النقطة إلى أنه لا يوجد بلد لديه إطار قانوني يحكم بشكل مرضٍ عمل أجهزته الأمنية، خاصة أنه ومنذ سنة 2015 قدم المجلس الأوروبي توصيات إلى الدول الأعضاء حول كيفية جعل أنظمة الرقابة الوطنية أكثر فاعلية وخدمات الأمن أكثر عرضة للمساءلة عن أفعالها وأكثر احترامًا لمعايير حقوق الإنسان.
وقد تنامت صناعة برامج التجسس بشكل أسرع من الأطر التنظيمية لأجهزة تكنولوجيا المراقبة.
بالإضافة إلى ذلك، يتسم الحصول على برامج التجسس وبيعها وتصديرها بشكل عام بالتعتيم الذي يجعل أي تحكم في غاية الصعوبة.
وشدد على أن مراقبة هذا النوع من البرمجيات في ظل جانب هياكل الرقابة غير الكافية، يعزز التدخلات الخطيرة في الخصوصية، والتي تتحدى مفهوم الحقوق الفردية وتقوض أسس المجتمعات الديمقراطية، بما في ذلك نزاهة الانتخابات. فإذا لم تكن المراقبة خاضعة للقيود، فإنها تصبح منتشرة في كل مكان وتزداد تدخلاً، لدرجة أن كل فاعل هو هدف محتمل وأن المواطنين يغيرون سلوكهم لأنهم يعرفون أنهم يخضعون للمراقبة.
وأوضح بأن التحقيقات الجارية التي تهدف إلى تسليط الضوء على استخدام Pegasus وبرامج التجسس المماثلة تستحق الثناء، وستؤدي بالتأكيد إلى فهم أفضل لما حدث ولماذا وكيف، ولكن في هذه الأثناء، يواصل نشطاء حقوق الإنسان والصحفيون والمعارضون السياسيون القيام بذلك. في الوقت الذي يجب اتخاذ إجراءات لمنع المزيد من الانتهاكات من طرف الأجهزة الأمنية.
على الأجهزة الأمنية احترام حقوق الإنسان والحق في التعبير وخصوصية الأفراد
طالب مفوض حقوق الإنسان بالمجلس الأوروبي في هذه النقطة، الدول الأعضاء في مجلس أوروبا إلى فرض حظر صارم على تصدير وبيع ونقل واستخدام برامج التجسس مثل Pegasus، وإنشاء إطار تشريعي دقيق يحترم حقوق الإنسان وينطبق على استخدام تقنيات المراقبة الحديثة.
وأكد على أنه لا يجب أن يوفر هذا الإطار ضمانات إجرائية حقيقية، ورقابة قضائية وبرلمانية تُمارس قبل وبعد تنفيذ إجراء المراقبة، وآليات انتصاف فعالة للضحايا.
كما شدد على أنه ينبغي على الدول الأعضاء أن تولي اهتمامًا أكبر لحقيقة أن صناعة برامج التجسس تعمل باستمرار على تطوير أدوات جديدة، قد تُستخدم كأسلحة، وتُستخدم في أغراض خبيثة ولتسهيل انتهاكات حقوق الإنسان.
وطالب الحكومات بنشر المبادرات المتخذة لضمان عمل أجهزتها الأمنية الوطنية بطريقة تحترم حقوق الإنسان والحق في الخصوصية وحرية التعبير والمشاركة في النقاش العام، وأن تتعاون بشكل كامل مع جميع التحقيقات ذات الصلة.