الكاتب: أيمن سلام
بمجرد الحديث عن مادة صحفية، مكتوبة، سمعية كانت أو بصرية، فإننا بصدد الحديث عن رسالة، نسمح للمرسل أن يقدمها لنا، من خلال استخدام حاسة من حواسنا، وقد تلزمنا طبيعة الرسالة على استخدام الحواس جميعها.
الرسالة دائما ما تهتم بالإنسان وبالتالي عليها أن تخترقه بشكل أو بآخر، وأن تباغته من حيث لا يدري، وتقوده إلى التفكير، تنفرد به لإشباع تعطشه للمعرفة أو المعلومة، ولإشباع هواجسه التي تؤطرها وتؤسس لها اللامعرفة، وهذه الأخيرة وإن كانت مطموسة في مجالات أخرى فإنها تطفو في الصحافة.
إن الرسالة في العمل الصحفي تستلزم المضمون، هو ما يجعل منها رسالة أصلا، وهو ما يدفع الصحفي للبحث، التحليل، والتقصي، وما يجعل المتتبع يفضل قناة على حساب الأخرى، يقرأ هذه الصحيفة وليست تلك، هذا البرنامج وليس ذاك، ومن المطلوب أن يتماشى المضمون والخط التحريري لكل مؤسسة صحفية.
العمل الصحفي يعتمد على المصدر والحدث، سواء في الأجناس ذات الخدمة الخبرية أو أجناس التعليق والرأي (العمود والافتتاحية… الخ) أو الأجناس الكبرى (الاستطلاع، التحقيق… الخ). كما يعتمد على فكرة تؤسس لعمله، تلزمه على بسط زاوية لمعالجة فكرته. كلها عوامل ترمي إلى أهمية المضمون وضرورة التمكن منه.
الصحفي هو كائن يغوص في المجتمع ثم يعود إليه، لكي يكون شاهدا عليه ويتحدث إلى الناس حوله، يقتني من المحيط الأشياء يركبها أو يبتكر منها ويعيد إنتاجها في قالب جديد، يرمي بها كأنها ليست ملكه، ولا تخصه وحده، بل هي للجميع، يلعب دور الناقل اليقظ والحذر فقط.
للأسف الشديد ما وصلت إليه الصحافة المغربية في زمننا هذا، بل ما وصل إليه مضمون صحافتنا، كأننا في عالم لا مفر لنا فيه من التفاهة والبذاءة، اللتان يقتنيهما الصحفي من المجتمع ولا يجد ما يركبه منهما أو يبتكره، فيقوم بالتخلص منها كما هي، ليلتقطها عامة الناس.
صحافة يغيب فيها المضمون بل ينعدم ويخالف أخلاقيات المهنة، تشهير وتزييف وتعنيف. عنف رمزي في اللغة، وآخر تفرضه المواضيع في حد ذاتها. ورغم ذلك فهي أشياء تُستهلك، مما يدفع المؤسسة الصحفية إلى الاستمرار في إعادة إنتاجها، باعتبارها مقاولة هاجسها ربحي صرف، قبل أن يكون مهني ومبدئي.
ربما الفراغ في المضمون هو فراغ في الصحافة. لكن في عالمنا، لا انفلات لنا من دور تلعبه الصحافة والإعلام، سواء كان إيجابي أو سلبي فهو حتمي. وكل تغيير جذري للمجتمعات حصل أو يحصل أو سيحصل؛ بفعل الصحافة.
وحتى لا أكون جازما؛ هناك صحفيون أكفاء، وذو قدر هائل من المعرفة العلمية، وثبات قل نظيره على قول الحقيقة، كما أن هناك بداية لتجارب مؤسسات صحفية رزينة، ولو في شكل تدبيرها العشوائي، الذي هو نتيجة خناق تعيشه المؤسسات الصحفية المتمردة عن المألوف.
إن الآلية أو الوسيلة التي تربط علاقتنا بالصحافة، سواء كانت مجلة أو جريدة، تلفزة أو راديو، جميعها ضرورية، ولكل منها قواعد وأسس للاشتغال. ولا يسعني سوى القول وفي زمن الصورة بامتياز؛ أن لكل آلية من الآليات متصفحين ومتابعين، وليس المرئي تهديد للمكتوب كما يُقال، أو المكتوب قديم والمرئي جديد، بل جميعها آليات نزاول من خلالها العمل الصحفي، ونحاول على إثرها بسط الأحداث والمواضيع، تحليلها والتعليق عليها.
تحدد الآلية طريقة وصول الرسالة وكيفية التعامل معها، اذن ليست معيار للجودة، إذ هي تُحاور ظرفية المتلقي التي تتقاطع مع مسار الرسالة الصحفية.
في المقهى مثلا، نجد شابا يحمل هاتفا يشاهد مقاطع مصورة، والعامل فيها يُصغي إلى صوت المذياع، وآخر يتصفح جريدة يفتحها على طول دراعيه، هذا المنظر يجعلني أقول بأن الرسالة الصحفية تتقاطع وهؤلاء الثلاثة، مع اختلاف كيفية التلقي، بيدَ أن لكل منهم ميولا إلى آلية من الآليات الصحفية، وبالتالي يظل المضمون هو المحدد في وظائف العمل الصحفي؛ الإخبار والتثقيف والنقد والتتبع وحتى الترفيه.
الأساسي في الكيفية هو أن تصل الرسالة إلى ذلك الآخر، وبالتالي النقاش بوجود إعلام مرئي بديل لإعلام مكتوب، فكرة مغلوطة، ما يهمنا هو المعنى، ذلك الذي يتجسد بالقراءة أو بالمشاهدة أو بالسمع أو بالإشارة أو بالتفكير… الخ، المعنى يرتبط بالمضمون وليس بالآلية.