قالت منظمة العفو الدولية “أمنستي” إن السلطات المغربية تواصل قمع المعارضة واستهداف الصحافيين والنشطاء ومنتقدي الحكومة، عبر المحاكمات والمراقبة الرقمية وحملات التشهير، وذلك بالرغم من إصدار عفو ملكي شمل آلاف السجناء، بينهم عدد من الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وفي تقريرها السنوي لعام 2024، الذي حصلت الحياة اليومية على نسخة منه، أشارت المنظمة إلى أن القوانين والممارسات السارية في المغرب تعزز عدم المساواة بين الجنسين، كما نبّهت إلى أن مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد يهدد بعرقلة جهود مكافحة الفساد، في وقت تتقاعس فيه السلطات عن إجراء تحقيق شفاف في أحداث “مأساة مليلية”، مقابل تنفيذ عمليات توقيف تعسفية بحق لاجئين ومهاجرين، ونقلهم قسرا إلى مناطق نائية.
وأضاف التقرير أن الحكومة لم توجه دعوة إلى المقرر الأممي الخاص بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، رغم طلبه زيارة المغرب في 24 أبريل، وسط مخاوف من استمرار الانتهاكات تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”.
حرية التعبير.. إفراجات مشروطة واستهداف متواصل
ورصد التقرير العفو الملكي الصادر في يوليوز 2024 والذي شمل 2460 سجينا، بينهم صحافيون بارزون مثل عمر راضي، توفيق بوعشرين، سليمان الريسوني، إضافة إلى الناشط محمد رضا الطاوجني. لكنه أشار إلى أن بعض المفرج عنهم، مثل الريسوني، واجهوا لاحقًا حملات تشهير.
وسجلت “أمنستي” استمرار ملاحقة الصحافيين والنشطاء بسبب آرائهم، من خلال المقاضاة، والمراقبة الإلكترونية، والتشهير عبر وسائل إعلام موالية للدولة. واعتقل البعض بسبب انتقادهم للنظام الملكي أو نشرهم ما اعتبرته السلطات “أخبارا زائفة”.
وفي هذا السياق، لفت التقرير إلى الحالة الصحية المتدهورة للمحامي والوزير السابق محمد زيان (81 عاما)، الذي يقضي حكما بالسجن منذ نوفمبر 2022، بناء على تهم وصفتها المنظمة بـ”الزائفة”. وكانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قد طلبت من السلطات المغربية اتخاذ تدابير مؤقتة لحمايته، لكن دون استجابة تذكر، بحسب منظمة الكرامة.
ومن أبرز القضايا التي أثارتها المنظمة، الحكم الصادر في نوفمبر الماضي بحق الصحافي حميد المهداوي، مدير موقع “بديل”، بالسجن 18 شهرا وغرامة مالية، إثر إدانته بتهم “نشر أخبار كاذبة” و”القذف”، على خلفية شكوى قدمها وزير العدل عبد اللطيف وهبي.
العدالة والحق في الحقيقة.. معوقات قانونية وتقصير رسمي
وانتقدت المنظمة مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي ووجه برفض نقابة المحامين وعدة جمعيات، من بينها “ترانسبرانسي المغرب” و”الجمعية المغربية لحماية المال العام”، باعتباره يقيد الحق في المحاكمة العادلة ويمنع منظمات المجتمع المدني من متابعة قضايا الفساد.
كما توقفت “أمنستي” عند إعلان المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن إخضاع رفات بشرية من معتقل تازمامارت السري لتحاليل الحمض النووي لتحديد هويات الضحايا. ورحبت عائلات الضحايا بهذه الخطوة، رغم أنها جاءت متأخرة، فيما لم تلبّ مطالبهم الأخرى المتعلقة بالتعويضات بحلول نهاية العام.
وأشار التقرير إلى أن نحو 27,723 شخصا حصلوا على تعويضات منذ عام 1999 عن انتهاكات وقعت بين 1973 و1991، بمبلغ إجمالي قدره 211.8 مليون دولار، دون أن يشمل ذلك جميع المتضررين.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.. الفقر والجفاف يطاردان المغاربة
وأوردت “أمنستي” أن المغرب يواجه تحديات حقوقية خطيرة بالتزامن مع استعداده لاستضافة بطولة كأس العالم، خصوصا فيما يتعلق بحقوق العمال والمهاجرين وعمالة الأطفال، وعمليات الإخلاء القسري.
وسجلت المنظمة، استنادا إلى تقرير المندوبية السامية للتخطيط، تراجع مستويات المعيشة بنسبة 3.1% بين 2019 و2022، ما أدى إلى ارتفاع معدل الفقر، لاسيما في ظل تداعيات الجائحة والجفاف المستمر، مشيرة إلى أن أفقر 10% من السكان ينفقون نصف دخلهم على الغذاء.
وتوقفت أيضا عند الانتقادات الواسعة التي رافقت مشروع قانون الإضراب، مشيرة إلى أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي دعا إلى مراجعته لضمان انسجامه مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق العمال.
كما رصد التقرير آثار الجفاف الطويل الذي ضرب البلاد خلال 2024، وتأثيره على الأمن الغذائي ومستوى المعيشة، فضلا عن الفيضانات التي اجتاحت عددا من المناطق في غشت وشتنبر، وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 30 شخصا.
وعلّقت المنظمة على تقرير للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، اعتبر أن استجابة الدولة لزلزال الحوز كشفت عن غياب الخطط الوطنية لمواجهة الكوارث، وضعف في التنسيق والجاهزية اللوجستية والإغاثية.
حقوق الفئات المستضعفة.. تمييز وعنف ممنهج
وانتقد التقرير عدم إحراز تقدم في التحقيق بشأن “مأساة مليلية” عام 2022، والتي أسفرت عن مقتل 37 شخصا واختفاء 77 آخرين. وأشارت المنظمة إلى أن التحقيق أُغلق دون نشر نتائجه، في حين استمرت الاعتقالات العشوائية بحق لاجئين ومهاجرين سود في المدن، قبل نقلهم إلى مناطق معزولة قرب الحدود الجزائرية.
وفيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، قالت “أمنستي” إن التشريعات المغربية لا تزال تكرس التمييز، خصوصا في قضايا الإرث والحضانة. كما أشارت إلى غياب الشفافية بخصوص مراجعة مدونة الأسرة، وعدم إشراك منظمات المجتمع المدني في المشاورات.
كما انتقدت المنظمة تقاعس السلطات عن توفير خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، بما فيها الإجهاض، بشكل آمن ومتاح، ما يهدد حياة النساء والفتيات وينتهك حقوقهن الأساسية.
وأكد التقرير أن المثلية الجنسية لا تزال مجرّمة بموجب الفصل 489 من القانون الجنائي، الذي يفرض عقوبات بالسجن قد تصل إلى ثلاث سنوات، مشيرا إلى استمرار المحاكم في إصدار أحكام بالإعدام، وإن لم تُنفذ منذ 1993.