خلود المختاري*
يوجد عشرات كتاب السيناريو في المغرب «مُبَطَّقِينَ» (حاملون لبطاق كاتب سيناريو)، وآخرون سبق واشتغلت إلى جانبهم، ومنهم عدد عملتُ على اقتباس أعمالهم، وكان لدي حظ فهم إشكالية كتاب السيناريو في المغرب الذين لديهم علاقة «ثقة» مع الإذاعات الوطنية وفارق ثقافة دقيق مع المغرب «العميق» وحتى ما يطلق عليه بذهنية الطبقة المتوسطة وكذا خط الفقر، وآخرون عرفوا بتماهيهم مع ما يعجب الذوق العام مع عدم مراعاة الرسالة التوعوية والثقافية والاجتماعية للمغاربة.
سياق ما كتبت جاء وأنا أتابع هذه الأيام سلسلة «الدم المشروك» والذي علمتُ أن كاتبتهُ مصرية الجنسية، قامت شركة إنتاجه بالتعاون مع خلية كتابة مغربية لاقتباسه ووضعه في سياق مغربي ليصبح بذلك منتوجا وطنيا يمكن للمغاربة استهلاكه، وهذا لا يعد عيبا تقنيا أو أدبيا ( في حالة ما وضع العمل في مختبر كفاءات مدركة للحساسيات الثقافية والاجتماعية)، فقد سبق وتم اقتباس روايات عالمية للمتفرج المغربي من بينها رواية الإخوة كارامازوف، التي سبق واشتغلت على جزء منها مع ثلة من كتاب السيناريو، لتخرج فيما بعد على شكل مسلسل على إحدى القنوات التلفزية المغربية.
العيب الفاضح في الحقيقة في ما يحدث اليوم، هو أن وضعية كتاب السيناريو ليست بخير، إنهم مخنوقين بعاملين، الأول هو أن هامش الإبداع تحكمه أداة «السلطة» وعلى رأسها سلطة المستشهر والذي عزز ظاهرة الوجوه المكرورة في الدراما بمنطق الربح لا الابداع، والثاني وهو الزمن الإبداعي الذي تحصره طلبات العروض ويفرضه بذلك على شركات الإنتاج، وهذا ما يجعل هامش الحرية في السينما أكثر انفتاحا من الناحية الإبداعية أو على الأرجح المادية بالنسبة للمؤلف وكاتب السيناريو، وتفتح لهم الباب لطروحات جديدة، تحاول منافسة الأعمال السينمائية الأخرى في بلدننا العربية على الأكثر.
إن الاستعانة بكاتب سيناريو أجنبي، ليس المشكل في حد ذاته، لكن الاستعانة بقصة ثقافيا تتوازى مع الواقع المغربي، يبدو أمرا غريبا، خصوصا وأن نقاش استغناء الاذاعات الوطنية عن الدراما التركية وفتح المجال للإنتاج المغربي كان نقاش السنوات الأخيرة، ثانيا، إن نجاح الدراما في كل بلد، مقرون بقدرة الكاتب والمخرج على طرح مواضيع وإشكاليات (وليس علاجها) من خلال القصة والتأليف وترك الأحقية للفاعل (المواطن وغيره) للتفاعل والتطور والنقاش، ولهذا برز ونجح إحسان عبد القدوس في مصر وغيره من المؤلفين الذين كانوا خارقين في توصيف حساسية بلدهم، ومدركين لتفصيلة فهم مجتمعاتهم والكتابة عما يروج فيها من قضايا وقصص وأحداث.
يعد المغرب مشتلا هاما «أنطروبولوجيا» لصناعة السينما والوثائقي والدراما، وهذا الشق المتنوع فيه لا يجعلنا أمام أزمة إيجاد الموضوع أو القصة أو أمام الحاجة لاستيراد الأفكار، لكن لا يمكننا إنكار أن أزمة الكاتب، كما عشتها موضوع متداخلة فيه عناصر عديدة، أهمها أن أغلب المبدعين في كتابة السيناريو لديهم هذا النقص في فهم الفوارق خصوصا الفرونكوفونيون، فيما يسقط بعض المعربين منهم في الابتذال وقلة الذوق، ثم جمود هامش الحرية والبحث، وأساسا وضعية الكاتب الذي يجد نفسه عاطلا إذا كان مبطقا تحت لواء نقابة أو غيرها ينتظر دعم وزارة الثقافة من أجل كتابة سيناريو مسرحية، وإذا رفض أن يكون كذلك، يجد نفسه مكرها بين يدي قرار سلطة الإعلام ومال المستشهر.
ولنا عودة بخصوص تفاصيل هذا العمل فنيا.
*كاتبة سيناريو.